نظام مبارك ... وحرامي الحلة !!
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
نتذكر أحداث ثورة 25 يناير وكأنها أحداث فيلم خيالي وغير واقعي .. منا المصدق .. ومنا غير المصدق الذي ينظر إلى الأحداث وكأنها حلم أو رؤية منامية فتمنى لو ظل نائما حتى لا يستيقظ ويفيق على ما كان من واقع مرير بسجونه ومعتقلاته ، ورموزه بشخوصهم يعيثون في الأرض فسادا تحت المظلة الجميلة والشعار الطاهر الذي يطلق عليه ( الشفافية ) قبل أن يدنسه الحزن الوطني ويجري له عملية تحويلية شوهته وجعلته رمزا للفساد والسلب والنهب وتجريف الأوطان ، وجعلته عنوانا للقهر والاستبداد ، والظلم والطغيان ، وأصبح شعارا للجهل والتخلف والفقر والحرمان وتحول إلى قناع يرتديه الفسدة والمفسدون ومصاصو دماء الشعب وبائعو ثرواته بأبخث الأثمان ومهدرو كرامته .
إذا نظرنا إلى الواقع الآن نجده رائعا بل أكثر من رائع ، فمن منا كان يحلم أن يتحقق ماحدث ، كانت كل الأماني تعديلات لبعض المواد الدستورية ، أو توحيد الجهود وتجمع كل القوى السياسية لمنع مسلسل التوريث ، أو إقالة حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وإعادة هيكلة جهاز مباحث أمن الدولة لاستبعاد بعض قياداته باعتبار أنهم صنيعة العادلي ميكيافللي مخرج مسلسل التوريث الذي لم يتم بسبب القبض على البطل والمخرج والمنتج والممثلين والمصور وكل من شارك وإيداعهم داخل السجون كما أنهم الذراع اليمنى لنظام مبارك .
وهاهم الآن في السجون وخلف القضبان .. من كان يصدق أن تدور عجلة الزمان بفضل ثورة الشعب المصري ورعاية الله وقدرته ويصبح مبارك وعصابته الآن في السجون ومن يريد التهرب منهم ليحقق معه بالمستشفى أو يظل بها أملا في انفراجة ، أو أملا في مسامحة الشعب وعدم محاكمته والعفو عنه ، يدعي المرض أو يهمل في العلاج ولا يتناول الدواء ليظل مريضا ، حتى لا يتم تحويله إلى ( ليمان طرة ) أو سجن مزرعة طرة أو كما أطلق عليه أولاد البلد طرة لاند .. إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .
من يصدق أن مبارك بالمستشفى على ذمة التحقيق في قضايا تصل عقوبات بعضها إلى الإعدام ، من يصدق أن جمال وعلاء خلف القضبان ومعهم العادلي وصفوت الشريف وذكريا عزمي وكل رموز نظام مبارك إلا الهاربين منهم خارج البلاد وحتما عائدون يوما ما لينالوا جزاءهم العادل وفقا للقانون مع توفير كافة الضمانات لهم في الدفاع عن أنفسهم رغم أنهم حرمونا من كل الحقوق ومن أية ضمانات .
حقا إنها الثورة المصرية التي قامت من أجل بناء دولة مدنية قائمة على أساس العدل والحرية وسيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق منظومة من القيم والأخلاق التي تقر وتمارس التسامح وقبول الأخر وترسخ لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص دون النظر إلى اللون أو الجنس أو العقيدة .
وما دامت الثورة قد قامت فما هذا الذي نراه من تسيب وبلطجة وانفلات ليس أمنيا فقط ولكن في كل شيء حتى وصل إلى الانفلات الأخلاقي ؟
ويعلق الكثير منا على ذلك وفق رؤاه ومعتقداته ولكن كان الشائع والأكثر قبولا لدى الكثير أن الثورة مثل البحر الهائج فيلقي كل ما بداخله : الغث ، والثمين ، الدرر والجواهر ، الجثث والنفايات . وكانت لدينا قناعات بمثل هذا القول ولكن لفت نظري بعض الأصدقاء أن هذا القول جميل ولكن الأجمل منه والأدق أنك : " عندما تهدم بيتا قديما متروكا منذ زمن طويل دون إصلاح أو صيانة ، وقد هجره صاحبه .. ماذا تجد ؟ تجد العقارب والفئران والسحالي والخنافس والصراصير وحرامي الحلة فما بالك بنظام عفن منذ أكثر من ثلاثين سنة لا ينتمي إليه ولا يضم من البشر إلا العقارب والفئران والسحالي والصراصير وحرامي الحلة "!! فأعجبني القول كثيرا .
ولكني فكرت في حرامي الحلة ولماذا أطلق الناس هذا الاسم على تلك الحشرة البريئة مما نسب إليها ؟ وتبين لي أن الحياة قديما كانت بسيطة لا يحتاج فيها الإنسان إلى ما نعتبره اليوم من الأساسيات أو الكماليات وكذلك عاش المصري بلا مقتنيات إلا الضروري منها والذي يعينه على الحياة وكانت محتويات البيت المصري لا تزيد عن حصير للفرش ، وصندوق لحفظ الملابس وحلة أو حلتين أو أكثر لطهي الطعام وكانت تلك الحلل أغلى وأثمن شيء حتى أن جهاز العروس كان يقيم بما يحتويه من عدد قطع النحاس ( الحلل ) لذلك كان اللص لا يسرق إلا الحلل باعتبار أنها أغلى وأثمن شيء فأطلق على اللص مصطلح ( حرامي الحلة ) لتفاهته وتشبيهه بالحشرة الصغيرة التي ظلمناها .
وكذلك فعل النظام المصري سرق وسلب ونهب أغلى وأثمن ما في الوطن : سرق الجاه والسلطان ، الأموال والعقارات فاستحق أن يوصف ب ( حرامي الحلة ) ، حتى الأرض سرقوها لهم ولأبنائهم أو باعوها للمقربين منهم أشباه البشر من العقارب والفئران والسحالي والصراصير وحرامي الحلة دون أن يقدروا حق الأجيال الحالية والأجيال القادمة في وطنهم لأن الاستيلاء على الأرض أو بيعها بيع للأوطان . وماذا أرادوا بذلك ؟ هل أرادوا أن يصبح الوطن عزبة ملك لهم وما نحن إلا عبيد إحساناتهم ؟ أم أرادوا استبدال أبناء الوطن بأخرين من ملل أخرى تشبههم ولنبحث لنا ولأبنائنا عن وطن بديل ؟
ولكن بعد الهدم يبدأ البناء وها نحن مازلنا في مرحلة الهدم والتطهير فالثورة قد بدأت لكنها لم تنته وقريبا وبإذن الله وعونه ستتم عملية الهدم والتطهير ونبدأ بناء دولة المؤسسات القائمة على العدل والحرية والديمقراطية وسيادة القانون والتي لا تسمح بوجود عقارب ولا فئران ، ولا سحالي ولا صراصير ، ولا حرامي الحلة .
حرامي الحلة : النملة السوداء .. حشرة سوداء لونها أسود أو بني قاتم رأسها كبير تحفر عشها في الأرض وتجمع ناتج الحفر على هيئة أكوام حول العش تراها في حديقة المنزل او الفناء ويحدد ضررها فيما تتلفه من مزروعات ، وهي منتشرة في المغرب وتونس وفلسطين ولبنان وسورية والصومال والعراق ومصر والسودان والجزائر وليبيا والسعودية والإمارات العربية