إطلاق واحة التمدن - واحة الرأي والرأي الأخر
مبارك .. الدكتاتور المسكين
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
كثر الحديث عن مبارك الظالم المستبد الطاغية الفاسد المفسد الدكتاتور بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ونحن لا ندافع عنه ، ولا نلتمس له الأعذار ، ولا نعفيه من مسئولية ما حدث وما فعل طوال الثلاثين عاما الماضية ، ولكن ما قصدناه أن مبارك هذا الرجل الطاغية ما هو إلا دمية تلاعب بها رجال من العهد السابق وأتوا برجال أخرين على شاكلتهم أو أكثر جهلا وسوءا فكانت العصابة التي فعلت به وبنا ما حدث ، وما كان .
ولأنه رجل بلا تجارب ، ولا خبرات ، اعتقد هو أنه من الرجال الذين يدخرهم القدر لقيادة مصر أم الدنيا ، ومهد الحضارة ، وأرض الفراعنة فتفرعن معتقدا أنه مبعوث العناية الإلهية لهذه الأمة العظيمة ، ولأن مؤسسي العصابة يعرفون ذلك فيه وعنه فقد رشحوه لنا رئيسا ليستمر نظام هم سادته ونحن عبيده ، وحفاظا على مصالحهم دون مصالحنا ، واستمرارا لعملية النهب التي بدأت بسياسة الانفتاح الاقتصادي الذي انتهجها السادات والذي سماها المرحوم الكاتب الكبير / أحمد بهاء الدين ( انفتاح ... سداح مداح ) ، ولأن نهاية الرئيس السادات كانت درامية الأمر الذي جعل الغالبية من الشعب المصري تتوجه إلى صناديق الاستفتاء التي كانت نتيجته معلومة دائما لتقول نعم ، كما أن الزمان والمكان لم يسمحا لأحد أن يفتش ، أو ينبش في ماضي مبارك ، أو حاضره ، أو وعيه السياسي ، أو درايته بالأوضاع المحلية والإقليمية ، أو كيف تم اختياره وهل هو كفء أم لا ؟ أي أن توليته علينا كانت من نسج الشياطين الذين هيئوا المناخ ومهدوا التربة للزبانية الجدد ، حتى أصبح لا يقترب منهم إلا كل شيطان رجيم ، ومادام الحكم قد أصبح للشياطين فماذا تنتظر أن يفعلوا بهذا الشعب المسكين .
في البداية فقد اختاره السادات نائبا له عام 1975 لأنه مسكين .. لا يهش ولا ينش ، ولا يعرف شيئا عن أي شيء ، وليتم التخلص نهائيا من الباقين من رجال يوليو 1952 الذين كانوا يشكلون غصة في حلق أنور السادات ، لأنهم ينظرون إليه من أعلى على أنه الرجل الذي عاش منذ قيام ثورة يوليو إلى أن تم انتخابه رئيسا لمصر في الظل ، كما أنه لم يقل يوما لا لعبد الناصر ، وهو ينظر إليهم من أسفل فقد كانوا دائما في دائرة الضوء أما هو ففي الضوء الخافت دائما . وكان ذلك يسبب أزمة نفسية للسادات جعلته عندما أصبح رئيسا لمصر ولكي يكون هو فقط صاحب القرار دون غيره ، ولكي تسطع الأضواء عليه وحده فعليه أن يختار نائبا له بلا طموح ، ولا يأبه العيش في الضوء الخافت ولا يؤلمه أن يكون ظلا للسادات فوقع الاختيار على : حسني مبارك .
أنور السادات كان رجلا ذكيا سواء اتفقنا على شخصيته أم لا ، اتفقنا على أسلوبه ومنهجه أم اختلفنا ؛ فأنور السادات عندما تولى حكم مصر تخلص من كل رجال عبد الناصر فيما عرف وقتها بحركة التصحيح 1971 أو قضية مراكز القوى ، كما تخلص من بقية رموز نظام عبد الناصر في انتخابات مجلس شعب 1971 ليبدأ عهده برجال هم رجاله لا رجال عبد الناصر يستطيع بهم أن يفعل ما فعل ، أو على الأقل موالين له ولنظامه ، أما مبارك فقد بدأ عهده عام 1981 بعد مقتل السادات بأسوأ رجال في عهد السادات وبأسوأ ما في نظامه ، ولم يأت برجال جدد يصلحون لنظام جديد بسياسة جديدة ، فالبعض كان يطلق عليهم القطط السمان لاستغلالهم سياسة الانفتاح في انتفاخ جيوبهم وزيادة ثرواتهم دون النظر لمصلحة الوطن وصالح المواطنين ، والبعض الأخر من الانتهازيين الآكلين على كل الموائد الطبالين الزمارين مؤيدي كل نظام ، لا قيم لهم ولا أخلاق .. المهم : الجاه أو السلطان ، وحبذا لو هما معا المتلونين بكل ألوان الطيف السياسي : فهم جنود في هيئة التحرير أول تنظيم سياسي بعد ثورة يوليو ، وهم أنفسهم أعضاء تنظيم الاتحاد القومي الذي تم تشكيله بديلا لهيئة التحرير ، ثم هم أيضا أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي البديل للاتحاد القومي ، وصدق أو لا تصدق أنهم أيضا الذين انضموا لحزب الوسط ( حزب مصر العربي الاشتراكي ) لأن الذي كان يرأسه المرحوم ممدوح سالم رئيس وزراء مصر آنذاك ، قبل أن يهرولوا جميعا إلى الحزب الوطني بمجرد أن أعلن السادات عن تأسيسه ، وانه هو الذي سوف يترأسه . واستمروا به طوال فترة حكم مبارك ، والآن يتبرأون منه جميعا حتى رئيس مجلس الشعب يدعي انه كان معارضا للنظام ولم يكن راضيا عنه .
وبدلا من أن يفهم ذلك حسني مبارك ، وأن يفهم أنهم لصوص وانتهازيين ، وأنه لا يوجد إنسان يصلح لكل النظم مهما كانت إمكاناته على افتراض أن هذا الإنسان صالح لا فاسد ، لأن الذي يصلح لنظام لا يصلح لنظام أخر ، لا عن عيب فيه ، ولكن لكل أفكاره وتوجهاته الذي تؤثر في مسلكه ومنهجه السياسي شئنا أم أبينا ، فما بالك إذا كان هذا شيطان من الزبانية الذين رشحوه لأنهم وجدوا فيه ضالتهم المنشودة ، ومن غيره يستطيعون خداعه وتزييف الحقائق له ، بل يقلبون له الأوضاع ولا أكون مبالغا إذا قلت أنهم قلبوا له رأسه الخاوية الفارغة من أي معرفة ، والرأس الفارغة يسهل أن تملأها بما تريد ، وقد تم ملؤها بواسطة سماسرة الانفتاح والآكلين على كل الموائد والجهلة وتجار السياسة وتجار الخردة الذين أفهموه أنهم خدمه وحواريوه باعتباره رجل المرحلة الذي بعثته الأقدار لقيادة مصر المحروسة .
ولأن مبارك وكما قلنا ناقص للمعلومة فاقد للمعرفة ليس له خبرات ولا تجارب فقد اعتقد أنه فعلا رجل المرحلة ، وإلا لرشح هؤلاء بدلا منه للرئاسة ، ولم يدر أنه اتخذ واجهة لنظام يؤسس لدولة الفساد ، و ( كي يتلم المتعوس على خايب الرجاء ) ليعيثوا في مصر فسادا ، ولن نقول أنه معذور حيث أنه كان يكره القراءة التي توسع العقول ، وتنمي المدارك ، وتطلعنا على دروس التاريخ ، وأحوال الأمم والشعوب ، فالمعلوم للجميع أن مبارك لم يكن يحب القراءة ولم يقرأ صحيفة واحدة وحتى اختياره نائبا لرئيس الجمهورية ، وليس له خبرات ولا تجارب ( من الكلية على الجهادية ) بحثا عن لقمة العيش فقط ، ورغبة في التشبه بنجوم المجتمع ، لا عن رغبة في القيام بأي دور سياسي أو وطني ، والدليل انه من مواليد 1928 أي انه عند قيام ثورة يوليو 1952 كان يبلغ من العمر 24 عاما ، أي في مثل سن من خلعوه ولم يكن له أي دور وطني ، ولم نسمع عنه أية أخبار في تلك الفترة ولو بالاشتراك في تظاهرة طلابية ، أو موقف مؤيد أو معارض لثوار يوليو علما بان معظم الضباط الذين قاموا بها كانوا في مثل سنه ، ولم نسمع عنه بعد ذلك وحتى اختياره نائبا للسادات .
وحكاية الضربة الجوية لم تكن مدوية ، بل إن أخبار عن الجمسي ، وسعد الشاذلي ، ومحمد علي فهمي ، وغيرهم من قادة أكتوبر كانت أكثر دويا ، وعندما تولى رئاسة مصر طبل له الإعلام وزمر على حكاية الضربة الجوية التي لم يجدوا غيرها ليستغلوها سندا على شرعيته الباطلة ، وكذبا وادعاء كعادتهم ، وعادته ، فقد أدمن الكذب والادعاء وتذكروا بداية حكمه حينما ادعي كذبا أنه غير راغب في السلطة ، وأنه ليس طليق اللسان ، وإنه لن يتولى الحكم إلا دورة واحدة أو دورتين على الأكثر ، ثم عدل عن ذلك واستمر في الحكم خمس دورات متتالية لمدة ثلاثين عاما وكان يطمع في مدة أخرى أو توريث ابنه لولا أن تم خلعه ، وادعى طهارة القلب ونظافة اليد ، وعن طهارة القلب: فكلكم تعرفون مدى حقده على خصومه ومنافسيه السياسيين ، وماذا فعل بهم ، وكيف لفق لهم التهم للزج بهم في السجون ، وكم سمعتم عن الجماجم والهياكل العظمية التي وجدت بمقار أمن الدولة بقيادة وزير داخليته حبيب العادلي نتيجة التعذيب ، وعن نظافة اليد : فكم سمعتم عن المليارات التي نهبت والتي نشرت بالصحف الأجنبية ونقلتها الصحف ووسائل الإعلام المحلية ، وهل من الممكن أن نصدق أن ينهب معاونوه ولا ينب هو ؟ وادعى أن ابنه لن يعمل بالسياسة حينما أشيع أن جمال ابنه يشكل جمعية المستقبل ، واستحدث له لجنة السياسات بالحزب الوطني وترأسها ابنه جمال كبداية لمسلسل التوريث الذي لا يستطيع أي مكابر أن ينكره ، ومسلسل التوريث هذا الذي استغله : الفقي ، ومغربي ، وفهمي ، ورشيد ، وعز ، وسرور ، وشريف ، ونظيف لينظفوا مصر من كل شيء ، والغريب أن الأسماء كلها ليس لنا منها شيء ، فأين الرشد ، وأين العز ؟ وأين السرور ؟ وأين الشرف ؟ وأين النظافة ؟
لقد ترك مبارك لابنه جمال الحبل على الغارب في إدارة شئون الدولة بحجة أن ابنه يساعده ، ولم يسأل نفسه مرة واحدة مادمت غير قادر على ممارسة الحكم فلماذا لا تتركه ؟ وألم يأت جمال ابنه بشلة الأنس التي عاثت في الأرض فسادا وكانت السبب الأساسي في خلع مبارك وآله ونهاية حكمه ، بعد تزوير انتخابات مفضوحة لمجلسي الشعب والشورى 2010 تكرارا لممارساتهم الدنيئة وهي حسنة يجب أن نشكره عليها لأنه لولا ذلك ما عجل بالثورة .
يحاول البعض أن يجمل وجه نظام مبارك أن يلتمس له العذر بحجة كبر السن ، وعدم إهانة الكبير , وهذا منطق أبوي لا يصلح في إدارة البلاد ، والادعاء بأن إهانة مبارك أو محاكمته هي إهانة لرموز مصر ، أو إنه لم يكن يعرف بكل هذه الممارسات ، ولا يعرف أن معاونيه فاسدون منحرفون ؛ ونحن نرد عليهم بأن هذا تكرار لأسلوب مبارك في التهرب والمماطلة ، وانه إذا كان كبر السن يعفي من العقوبة فكان الأولي بكم أن تطالبوا برحيله منذ زمن ، ولا تتمسكوا به بحجة الخبرة والحكمة ، والمثل يقول : ( إن كنت تدري فهي مصيبة ، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أكبر ) .
لا تنخدعوا بكلمات يقولها مبارك أو أي من فلوله أو فلول نظامه فهو دائما يستغل المشاعر العاطفية للشعب المصري ، مع إيماني شخصيا بأنه مسكين لم يكن قادرا على القيام بشئون الحكم عن عجز لظروفه الصحية ، ومن قبلها فقره العلمي والإداري ، وكان عليه أن يبتعد عن السلطة طواعية ، وقبل استشراء الفساد ، ولكن طمعه في المال والسلطة جعلاه ألعوبة في يد الزبانية الذين اختاروه وشكلوه وجعلوه يختار بنفسه من يريدون هم ، وهذا لا يعفيه من المسئولية ، ولا ينفي عنه صفة الدكتاتورية ، فنحن لا ننسى له تمزيق أواصر الشعب بإثارة الفتنة الطائفية ، ولا ننسى شهداء ثورة يناير ، ولا ننسى شهداء ومصابي معركة الجمل 2 ، ولا ننسى سنوات الذل والهوان . ولا ننسى له ضياع هيبة مصر وتلاشي دورها الوطني المحلي والإقليمي ، فهو الذي اختار لنفسه الطريق ، وهو الذي اختار لنفسه النهاية .
أكنت تسمع من قبل الثورة .. : ( ارفع رأسك فوق أنت مصري ) ؟
خدمة جديدة
مبارك .. الدكتاتور المسكين
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
كثر الحديث عن مبارك الظالم المستبد الطاغية الفاسد المفسد الدكتاتور بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ونحن لا ندافع عنه ، ولا نلتمس له الأعذار ، ولا نعفيه من مسئولية ما حدث وما فعل طوال الثلاثين عاما الماضية ، ولكن ما قصدناه أن مبارك هذا الرجل الطاغية ما هو إلا دمية تلاعب بها رجال من العهد السابق وأتوا برجال أخرين على شاكلتهم أو أكثر جهلا وسوءا فكانت العصابة التي فعلت به وبنا ما حدث ، وما كان .
ولأنه رجل بلا تجارب ، ولا خبرات ، اعتقد هو أنه من الرجال الذين يدخرهم القدر لقيادة مصر أم الدنيا ، ومهد الحضارة ، وأرض الفراعنة فتفرعن معتقدا أنه مبعوث العناية الإلهية لهذه الأمة العظيمة ، ولأن مؤسسي العصابة يعرفون ذلك فيه وعنه فقد رشحوه لنا رئيسا ليستمر نظام هم سادته ونحن عبيده ، وحفاظا على مصالحهم دون مصالحنا ، واستمرارا لعملية النهب التي بدأت بسياسة الانفتاح الاقتصادي الذي انتهجها السادات والذي سماها المرحوم الكاتب الكبير / أحمد بهاء الدين ( انفتاح ... سداح مداح ) ، ولأن نهاية الرئيس السادات كانت درامية الأمر الذي جعل الغالبية من الشعب المصري تتوجه إلى صناديق الاستفتاء التي كانت نتيجته معلومة دائما لتقول نعم ، كما أن الزمان والمكان لم يسمحا لأحد أن يفتش ، أو ينبش في ماضي مبارك ، أو حاضره ، أو وعيه السياسي ، أو درايته بالأوضاع المحلية والإقليمية ، أو كيف تم اختياره وهل هو كفء أم لا ؟ أي أن توليته علينا كانت من نسج الشياطين الذين هيئوا المناخ ومهدوا التربة للزبانية الجدد ، حتى أصبح لا يقترب منهم إلا كل شيطان رجيم ، ومادام الحكم قد أصبح للشياطين فماذا تنتظر أن يفعلوا بهذا الشعب المسكين .
في البداية فقد اختاره السادات نائبا له عام 1975 لأنه مسكين .. لا يهش ولا ينش ، ولا يعرف شيئا عن أي شيء ، وليتم التخلص نهائيا من الباقين من رجال يوليو 1952 الذين كانوا يشكلون غصة في حلق أنور السادات ، لأنهم ينظرون إليه من أعلى على أنه الرجل الذي عاش منذ قيام ثورة يوليو إلى أن تم انتخابه رئيسا لمصر في الظل ، كما أنه لم يقل يوما لا لعبد الناصر ، وهو ينظر إليهم من أسفل فقد كانوا دائما في دائرة الضوء أما هو ففي الضوء الخافت دائما . وكان ذلك يسبب أزمة نفسية للسادات جعلته عندما أصبح رئيسا لمصر ولكي يكون هو فقط صاحب القرار دون غيره ، ولكي تسطع الأضواء عليه وحده فعليه أن يختار نائبا له بلا طموح ، ولا يأبه العيش في الضوء الخافت ولا يؤلمه أن يكون ظلا للسادات فوقع الاختيار على : حسني مبارك .
أنور السادات كان رجلا ذكيا سواء اتفقنا على شخصيته أم لا ، اتفقنا على أسلوبه ومنهجه أم اختلفنا ؛ فأنور السادات عندما تولى حكم مصر تخلص من كل رجال عبد الناصر فيما عرف وقتها بحركة التصحيح 1971 أو قضية مراكز القوى ، كما تخلص من بقية رموز نظام عبد الناصر في انتخابات مجلس شعب 1971 ليبدأ عهده برجال هم رجاله لا رجال عبد الناصر يستطيع بهم أن يفعل ما فعل ، أو على الأقل موالين له ولنظامه ، أما مبارك فقد بدأ عهده عام 1981 بعد مقتل السادات بأسوأ رجال في عهد السادات وبأسوأ ما في نظامه ، ولم يأت برجال جدد يصلحون لنظام جديد بسياسة جديدة ، فالبعض كان يطلق عليهم القطط السمان لاستغلالهم سياسة الانفتاح في انتفاخ جيوبهم وزيادة ثرواتهم دون النظر لمصلحة الوطن وصالح المواطنين ، والبعض الأخر من الانتهازيين الآكلين على كل الموائد الطبالين الزمارين مؤيدي كل نظام ، لا قيم لهم ولا أخلاق .. المهم : الجاه أو السلطان ، وحبذا لو هما معا المتلونين بكل ألوان الطيف السياسي : فهم جنود في هيئة التحرير أول تنظيم سياسي بعد ثورة يوليو ، وهم أنفسهم أعضاء تنظيم الاتحاد القومي الذي تم تشكيله بديلا لهيئة التحرير ، ثم هم أيضا أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي البديل للاتحاد القومي ، وصدق أو لا تصدق أنهم أيضا الذين انضموا لحزب الوسط ( حزب مصر العربي الاشتراكي ) لأن الذي كان يرأسه المرحوم ممدوح سالم رئيس وزراء مصر آنذاك ، قبل أن يهرولوا جميعا إلى الحزب الوطني بمجرد أن أعلن السادات عن تأسيسه ، وانه هو الذي سوف يترأسه . واستمروا به طوال فترة حكم مبارك ، والآن يتبرأون منه جميعا حتى رئيس مجلس الشعب يدعي انه كان معارضا للنظام ولم يكن راضيا عنه .
وبدلا من أن يفهم ذلك حسني مبارك ، وأن يفهم أنهم لصوص وانتهازيين ، وأنه لا يوجد إنسان يصلح لكل النظم مهما كانت إمكاناته على افتراض أن هذا الإنسان صالح لا فاسد ، لأن الذي يصلح لنظام لا يصلح لنظام أخر ، لا عن عيب فيه ، ولكن لكل أفكاره وتوجهاته الذي تؤثر في مسلكه ومنهجه السياسي شئنا أم أبينا ، فما بالك إذا كان هذا شيطان من الزبانية الذين رشحوه لأنهم وجدوا فيه ضالتهم المنشودة ، ومن غيره يستطيعون خداعه وتزييف الحقائق له ، بل يقلبون له الأوضاع ولا أكون مبالغا إذا قلت أنهم قلبوا له رأسه الخاوية الفارغة من أي معرفة ، والرأس الفارغة يسهل أن تملأها بما تريد ، وقد تم ملؤها بواسطة سماسرة الانفتاح والآكلين على كل الموائد والجهلة وتجار السياسة وتجار الخردة الذين أفهموه أنهم خدمه وحواريوه باعتباره رجل المرحلة الذي بعثته الأقدار لقيادة مصر المحروسة .
ولأن مبارك وكما قلنا ناقص للمعلومة فاقد للمعرفة ليس له خبرات ولا تجارب فقد اعتقد أنه فعلا رجل المرحلة ، وإلا لرشح هؤلاء بدلا منه للرئاسة ، ولم يدر أنه اتخذ واجهة لنظام يؤسس لدولة الفساد ، و ( كي يتلم المتعوس على خايب الرجاء ) ليعيثوا في مصر فسادا ، ولن نقول أنه معذور حيث أنه كان يكره القراءة التي توسع العقول ، وتنمي المدارك ، وتطلعنا على دروس التاريخ ، وأحوال الأمم والشعوب ، فالمعلوم للجميع أن مبارك لم يكن يحب القراءة ولم يقرأ صحيفة واحدة وحتى اختياره نائبا لرئيس الجمهورية ، وليس له خبرات ولا تجارب ( من الكلية على الجهادية ) بحثا عن لقمة العيش فقط ، ورغبة في التشبه بنجوم المجتمع ، لا عن رغبة في القيام بأي دور سياسي أو وطني ، والدليل انه من مواليد 1928 أي انه عند قيام ثورة يوليو 1952 كان يبلغ من العمر 24 عاما ، أي في مثل سن من خلعوه ولم يكن له أي دور وطني ، ولم نسمع عنه أية أخبار في تلك الفترة ولو بالاشتراك في تظاهرة طلابية ، أو موقف مؤيد أو معارض لثوار يوليو علما بان معظم الضباط الذين قاموا بها كانوا في مثل سنه ، ولم نسمع عنه بعد ذلك وحتى اختياره نائبا للسادات .
وحكاية الضربة الجوية لم تكن مدوية ، بل إن أخبار عن الجمسي ، وسعد الشاذلي ، ومحمد علي فهمي ، وغيرهم من قادة أكتوبر كانت أكثر دويا ، وعندما تولى رئاسة مصر طبل له الإعلام وزمر على حكاية الضربة الجوية التي لم يجدوا غيرها ليستغلوها سندا على شرعيته الباطلة ، وكذبا وادعاء كعادتهم ، وعادته ، فقد أدمن الكذب والادعاء وتذكروا بداية حكمه حينما ادعي كذبا أنه غير راغب في السلطة ، وأنه ليس طليق اللسان ، وإنه لن يتولى الحكم إلا دورة واحدة أو دورتين على الأكثر ، ثم عدل عن ذلك واستمر في الحكم خمس دورات متتالية لمدة ثلاثين عاما وكان يطمع في مدة أخرى أو توريث ابنه لولا أن تم خلعه ، وادعى طهارة القلب ونظافة اليد ، وعن طهارة القلب: فكلكم تعرفون مدى حقده على خصومه ومنافسيه السياسيين ، وماذا فعل بهم ، وكيف لفق لهم التهم للزج بهم في السجون ، وكم سمعتم عن الجماجم والهياكل العظمية التي وجدت بمقار أمن الدولة بقيادة وزير داخليته حبيب العادلي نتيجة التعذيب ، وعن نظافة اليد : فكم سمعتم عن المليارات التي نهبت والتي نشرت بالصحف الأجنبية ونقلتها الصحف ووسائل الإعلام المحلية ، وهل من الممكن أن نصدق أن ينهب معاونوه ولا ينب هو ؟ وادعى أن ابنه لن يعمل بالسياسة حينما أشيع أن جمال ابنه يشكل جمعية المستقبل ، واستحدث له لجنة السياسات بالحزب الوطني وترأسها ابنه جمال كبداية لمسلسل التوريث الذي لا يستطيع أي مكابر أن ينكره ، ومسلسل التوريث هذا الذي استغله : الفقي ، ومغربي ، وفهمي ، ورشيد ، وعز ، وسرور ، وشريف ، ونظيف لينظفوا مصر من كل شيء ، والغريب أن الأسماء كلها ليس لنا منها شيء ، فأين الرشد ، وأين العز ؟ وأين السرور ؟ وأين الشرف ؟ وأين النظافة ؟
لقد ترك مبارك لابنه جمال الحبل على الغارب في إدارة شئون الدولة بحجة أن ابنه يساعده ، ولم يسأل نفسه مرة واحدة مادمت غير قادر على ممارسة الحكم فلماذا لا تتركه ؟ وألم يأت جمال ابنه بشلة الأنس التي عاثت في الأرض فسادا وكانت السبب الأساسي في خلع مبارك وآله ونهاية حكمه ، بعد تزوير انتخابات مفضوحة لمجلسي الشعب والشورى 2010 تكرارا لممارساتهم الدنيئة وهي حسنة يجب أن نشكره عليها لأنه لولا ذلك ما عجل بالثورة .
يحاول البعض أن يجمل وجه نظام مبارك أن يلتمس له العذر بحجة كبر السن ، وعدم إهانة الكبير , وهذا منطق أبوي لا يصلح في إدارة البلاد ، والادعاء بأن إهانة مبارك أو محاكمته هي إهانة لرموز مصر ، أو إنه لم يكن يعرف بكل هذه الممارسات ، ولا يعرف أن معاونيه فاسدون منحرفون ؛ ونحن نرد عليهم بأن هذا تكرار لأسلوب مبارك في التهرب والمماطلة ، وانه إذا كان كبر السن يعفي من العقوبة فكان الأولي بكم أن تطالبوا برحيله منذ زمن ، ولا تتمسكوا به بحجة الخبرة والحكمة ، والمثل يقول : ( إن كنت تدري فهي مصيبة ، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أكبر ) .
لا تنخدعوا بكلمات يقولها مبارك أو أي من فلوله أو فلول نظامه فهو دائما يستغل المشاعر العاطفية للشعب المصري ، مع إيماني شخصيا بأنه مسكين لم يكن قادرا على القيام بشئون الحكم عن عجز لظروفه الصحية ، ومن قبلها فقره العلمي والإداري ، وكان عليه أن يبتعد عن السلطة طواعية ، وقبل استشراء الفساد ، ولكن طمعه في المال والسلطة جعلاه ألعوبة في يد الزبانية الذين اختاروه وشكلوه وجعلوه يختار بنفسه من يريدون هم ، وهذا لا يعفيه من المسئولية ، ولا ينفي عنه صفة الدكتاتورية ، فنحن لا ننسى له تمزيق أواصر الشعب بإثارة الفتنة الطائفية ، ولا ننسى شهداء ثورة يناير ، ولا ننسى شهداء ومصابي معركة الجمل 2 ، ولا ننسى سنوات الذل والهوان . ولا ننسى له ضياع هيبة مصر وتلاشي دورها الوطني المحلي والإقليمي ، فهو الذي اختار لنفسه الطريق ، وهو الذي اختار لنفسه النهاية .
أكنت تسمع من قبل الثورة .. : ( ارفع رأسك فوق أنت مصري ) ؟
خدمة جديدة