مرشحو مجلس الشعب القادم بين جنة الدنيا وجنة الآخرة
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
تتفاوت الروءى حول المرشحين لعضوية مجلس الشعب القادم ، بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك ، وإن أجمع الكل على ضرورة أن المرشح القادم لا بد وأن يتمتع : بالنزاهة ، والوطنية ، وحسن السمعة ، وأن لا يكون كان قد تورط مع أي من رموز العهد السابق من قريب أو بعيد ( باستثناء قلة تنتمي إلى النظام الماضي مهما كانت عيوبه وجرائمه)، وهي شروط ومواصفات جميلة يجب أن تتوافر فعلا في أي مرشح قادم سواء كان الترشح لبرلمان أو ناد أو نقابة أو حتى جمعية زراعية ، ولكن هل هذه الشروط وحدها كافية أو كفيلة أن تأتي ببرلمان معبر تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب دون أن تتسلل إليه بعض القوى أو الأفراد الأكثر تنظيما وأكثر حنكة وخبرة انتخابية في ظل أوضاع غير محددة المعالم ، وناخب مأزوم اقتصاديا ، وفكريا ، واجتماعيا ، ومرشحين مختلفين في التوجهات ، والأيديولوجيات الإنسانية والدينية ؟.
والآن وبعد ثورة 25 يناير خرجت كل القوى السياسية لتعلن عن هويتها خاصة جماعات الإسلام السياسي مثل : جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت ملقبة ب ( المحظورة ) ، والجماعة السلفية ، وتنظيم الجهاد ، وكثير من التيارات التي تدعي أنها إسلامية مستغلة المناخ الذي أوجدته الثورة في الترويج لروءاها التي تزعم أنها روءى إسلامية لدغدغة عواطف الناخبين المشتاقة للرفاهة والنعيم بعد سنوات الذل والهوان ، والفقر والحرمان غير مفرقة بين ( جنة الدنيا ) حيث يجد الفرد حلا لما يعانيه من مشاكل : الفقر والجهل والمرض ، وبين ( جنة الآخرة ) حيث : النعيم المقيم ، والحور العين ، والغلمان المخلدون .
وليس عيبا أن يعرض المرشحون برامجهم و روءاهم حسب قناعاتهم وتوجهاتهم ، وما يرونه مناسبا لجذب أصوات الناخبين ، ومن حق أي مرشح أن يسعى للفوز بمقعد في البرلمان بل من حقه أيضا أن يسعى للحصول على مقاعد الأغلبية التي تمكنه وتمكن حزبه أو التيار المنتمي إليه من اتخاذ القرارات التي تحقق أهدافه و روءاه وكل ما وعد به ناخبيه ؛ ولكن العيب كل العيب أن يستخدم أسلوب الخداع خاصة لو كان هذا الخداع متخفي بقناع ديني .
ونحن هنا لسنا ضد الدين بل نجله ونقدسه ولكن ننأى به بعيدا عن الاجتهادات السياسية التي قد تصيب وقد تخطئ ، ويجب أن ننزهه حتى إذا طبقنا سياسة ما وثبت بالتجربة أنها خطأ فيكون الخطأ خطأ في السياسة التي طبقت ولا ينسب هذا الخطأ إلى الدين .
ونحن بذلك نكون أحرص على الدين من الذين يقحمون الدين في كل شيء ، ويزعمون أن روءاهم وأفكارهم ما هي إلا الروءى والأفكار التي تتفق وصحيح الدين ، لأن الروءى والأفكار أو الحلول دائما مستقاة من التجربة المستمدة من الحياة والمفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمفاهيم الدينية ، وليست الدين ، وما دامت مفاهيم دينية فهي منتج بشري وليست منتج سماوي أي قابلة للأخذ والرد .
أي أن المرشح لعضوية المجلس يجب أن لا يستخدم الدين في دعايته الانتخابية لأنه بذلك يستخدم الدين في استغلال البسطاء الذين تعايشوا مع حالة الفقر والحرمان فأصبحوا يعتقدون أن هذا المرشح أو ذاك من أصحاب الشعارات الدينية هو الطريق إلى ( جنة الآخرة ) التي تعوضه حالة الفقر والحرمان بالنعيم المقيم والسعادة الأبدية .
وهل المطلوب من أعضاء مجلس الشعب أن يدخلوا الناخبين( جنة الآخرة ) ، أم العمل على تحقيق ( جنة الدنيا ) من توفير : سكن مناسب ، وتعليم مجاني حقيقي ، وعمل مناسب ، وعلاج مناسب ، وكوب مياه نظيف ، وفرص متكافئة ، وإقامة مجتمع العدل والمساواة ، وسيادة القانون .
إن من يدعي أن باستطاعته أن يدخل أحدا ( جنة الآخرة ) فهو كذاب أشر يسيء إلى الدين ويتاجر به فردا كان أو جماعة ، لأنه ليس بمقدور أحد مهما كانت مكانته أو قربه من الله تعالى أن يضمن لأحد الجنة ؛ لأن الضمان الوحيد إلى الجنة هو سلوك الفرد ذاته ، ومدى التزامه بتعاليم الدين ووصاياه ، ويجب الحذر كل الحذر من هؤلاء الذين يطرحون أنفسهم على الناس من خلال عباءة الدين .
أما من يدعي أن باستطاعته أن يحقق لنا جنة الله على الأرض بإيجاد حلول لمشاكل : التعليم ، والمياه ، والكهرباء ، والغذاء ، والصرف الصحي ، والسكن ، والبطالة ، وارتفاع الأسعار من خلال روءاه أو الروءى التي يطرحها حزبه السياسي لا الديني فيمكن أن نصدقه لأن كثير من الدول التي تؤمن بعقائد أخرى غير التي نؤمن بها قد نهضت وتقدمت بحلول و روءى سياسية لا دينية . لا مانع من أن يكون هناك جماعة تحث الناس وتحضهم على الالتزام بتعاليم الدين والسير على هداه وتدعوا إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق وهذا جيد وجميل شرط ألا تستخدم ذلك في السياسة ، أو في الدعوة لمرشح لتزكيته على آخر .
نريد من المرشح لعضوية البرلمان أن يسعى لتحقيق ( جنة الدنيا ) من خلال روءى وأفكار واجتهادات إنسانية لا دينية ، وليترك لنا ( جنة الآخرة ) ليسعى كل منا إليها وفق معتقداته وسلوكياته والتزامه بما أوجبته عليه شريعته .