ماذا لو وافق حكام العرب السادات ؟
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
ماذا لو وافق حكام العرب السادات ؟
يتحدث بعض الإعلاميين وبعض الكتاب عن رحلة السادات إلى القدس وما ترتب عليها من إبرام معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، ثم معاهدة السلام التي أعادت لمصر سيناء الغالية ، حتى ظن البعض لو أن الزعماء العرب اتبعوا الطريق الذي سار عليه السادات أو استمعوا له وتأملوا رؤيته للحل ووعوها لتحررت هضبة الجولان السورية وعادت لأحضان سوريا كما عادت سيناء لأحضان مصر، وأقيمت دولة فلسطين على أرض الضفة والقطاع وانتهت حالة المواجهة بين بعض الدول العربية وإسرائيل ، وانتهت حمامات الدم التي سالت وتسيل كل يوم علي أرض : غزة ، والضفة ، والجنوب اللبناني ، ولاستخدمت أموال تكاليف المواجهة في الاستثمار والتنمية ، ورفاهية الشعوب العربية ، بدلا من حالة الفقر والتخلف الناتجة من استنزاف الموارد والطاقات فيما لا عائد من ورائه إلا الدمار والخراب ومزيد من إراقة الدماء , وهذا قول مغلوط جملة وتفصيلا .
فسيناء عادت لمصر نعم ولكن منقوصة السيادة ! فقواتنا هناك محدودة وأسلحتها مشروطة ولا يمكن لمصر زيادة عدد قواتها المسلحة الموجودة في سيناء ، ولا يمكنها إعادة تسليح هذه القوات لأن عدد أفراد القوات وعدد المعدات والآليات والمركبات حتى التسليح الشخصي للأفراد مشروط ومنصوص عليه في المعاهدة .
كما أنه غير مسموح ولو بمطار عسكري واحد على أرض سيناء ، وفندق سونستا الموجود بطابا المصرية تديره إسرائيل والعملة المتداولة هناك هي الشيكل الإسرائيلي وليس الجنيه المصري .
وحرب أكتوبر لم تكن آخر الحروب كما قال السادات : ( ولتكن حرب أكتوبر هي آخر الحروب ) إلا إذا تجاهلنا اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في اليوم التالي للانسحاب من سيناء ولم تخرج من الجنوب اللبناني إلا مرغمة بفعل ضربات المقاومة اللبنانية ، وإذا تجاهلنا حرب الثلاثين يوما في الجنوب اللبناني أيضا بدعوة تأديب حزب الله والقضاء عليه ، ولكن حزب الله أفسد خطط إسرائيل وخرج من هذه المعركة أكثر قوة . ناهيك عن الاعتداءات الوحشية والمستمرة على إخواننا في غزة ، والخروقات الأمنية المعتادة على الحدود المصرية ، ونحن لسنا دعاة حرب ولكن مابين الحرب والسلام حلول كثيرة .
أما عن الاستثمار والتنمية فهذه كذبة كبرى لأن حكامنا نموذج حي للدكتاتورية والاستبداد والظلم والطغيان ، وكلها أمور تثير القلق وعدم الاستقرار و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك استثمار في بلد غير مستقر يسوده مناخ الظلم والطغيان والحكم المستبد .
والأولى أن ندعوا إلى الاستجابة لرغبات الشعوب في الحرية والديمقراطية فهما الكفيلتان بإشاعة جو من الاستقرار اللازم والداعم لمشروعات التنمية والاستثمار وليست الدكتاتورية ، أو إتباع السادات أو غيره .
الذي حدث يا سادة هو أن السادات سلك طريقا يتفق مع شخصيته التي ترضى بالقليل الذي يرفضه الآخرون وهذا ما حدث بالنسبة لمبادرة السلام الشهيرة وما تلاها من معاهدات كانت السبب فيما يعيشه العرب الآن من تمزق وشتات، فهو يعرف جيدا أن أحدا لن يوافقه ، لذلك فكر فيه وحده وسار وحده وبعد أن اتخذ قراره ، وبعد أن ذهب إلى إسرائيل دعا العرب إلى الانضمام إليه ، والسير معه على نفس الطريق الذي من المنطقي أن يرفض ولو من باب أننا لم نكن شركاء في القرار ، مستغلا وضع مصر التاريخي والحضاري وثقلها الدولي ، فمصر هي التي تستطيع أن تأخذ قرار الحرب أو قرار السلم لأنها الأم وقدرها قيادي دائما ، ولا تستطيع دولة عربية أخرى أن تقوم بدور مصر أو بدلا منها .
وإسرائيل كانت ولا تزال تريد السلام مع مصر بأي ثمن لتحيدها حتى تفعل بالعرب وبالفلسطينيين ما تفعل حتى تنتهي منهم ثم تصبح مصر منفردة فتستطيع إسرائيل مواجهتها ، وإلا لماذا لم توف إسرائيل بتعهداتها التي أبرمتها في كامب ديفيد الثانية ، وفي أسلو مع الفلسطينيين .
السادات كان يميل دائما إلى المناورات والرضا بأية مكاسب وبطبيعته يقوم بتضخيمها وتسويقها إعلاميا على أنها الحل الأمثل والمكسب الكبير ، ويميل إلى السلم وإن تنازل بعض الشيء ، وتذكروا انه عقب توليه السلطة في مصر وقبل حرب أكتوبر دعا إسرائيل إلى الانسحاب من غرب القناة لمسافة 10 كيلو مترات فقط داخل أرض سيناء حتى تتمكن مصر من إعادة افتتاح القناة للملاحة ، أي أنه لم يكن في نيته الحرب ، والذي يؤكد ذلك ادعائه بأن عام 1971 هو عام الحسم ثم تهرب بما اسماه عام الضباب مدعيا أن الحرب التي نشبت بين الهند وباكستان حالت دون ذلك ، وبعد حرب أكتوبر المجيد التي خاضها بضغط من الشعب والذي أثبت فيها المقاتل المصري أنه بحق خير أجناد الأرض استجاب السادات لضغوط هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا آنذاك وجرت مباحثات الكيلو 101 لفصل القوات المتحاربة والتي بكى فيها المشير محمد عبد الغني الجمسي حسرة على تقليص نتائج تضحيات المقاتل المصري .
عز العرب وقوتهم في عز مصر وقوتها وعودة مصر للقيام بدورها في القيادة والريادة ، فمصر عندما تنهض ينهض العرب ، وعندما تمرض يمرض العرب جميعا ، ولا نهضة لمصر ولا لغيرها إلا بالديمقراطية ، ففي الحياة الديمقراطية حلول لكل المشاكل ، وحلول لمواجهة أي دولة وأي كيان وأي موقف.