كافة مواضيع الحوار المتمدن تنشر الان في شبكتي الفيسبوك والتويتر، للاطلاع
موقع الحوار المتمدن في شبكة التويتر
http://twitter.com/ahewar
موقع الحوار المتمدن في شبكة الفيسبوك
https://www.facebook.com/ahewarorg
هل مات بو عزيزي .... كافرا ؟ !
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
بعد أحداث تونس الخضراء ، وانتفاضة شعبها العظيم نتيجة فساد النظام الحاكم ، و الأمورالتي ساءت لدرجة أن أشعل ( بو عزيزي ) النار في جسده ، مما أشعل ثورة الغضب بطول البلاد وعرضها ، حتى أن الطاغية المستبد الفاسد ( ابن علي ) راح يستجدي شعبه الهدوء بكلمات الذل والانكسار ، واعدا إياه بالإصلاح الشامل ، والحرية الكاملة ، ومحاسبة الفسدة والمفسدين ، ولكن هيهات .. هيهات فلم يعد له مكانا على أرض تونس ، وإلا المحاكمة إذا كان حسن الحظ ، فلربما سحلوه ، أو افترشوه ، لأنه لو وقع في قبضتهم فلن يكتفوا باغتياله ، والعاقبة ستكون سيئة للغاية ، مما اضطره للفرار هربا وخوفا من النهاية المأساوية .
الأمر الذي جعل حكامنا يصابون بالهلع والهلوسة خوفا من العدوى ، والمد الثوري ، وبدلا من أن يأخذوا الدرس ، ويعيدوا النظر في بطاناتهم التي تزين لهم سوء أعمالهم ، وبدلا من أن يعيدوا النظر في سياساتهم الخاطئة التي جلبت لنا الذل ، والهوان ، والاستجداء السياسي ، والاقتصادي ! وكل الأمر ل ( رجال الفتة ) "1 " الذين طالعونا بفتاوى الأناجرية "2 " : ( بو عزيزي مات كافرا ) ، ( بوعزيزي منتحرا .. لا شهيدا ) لأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) ولم يتحدثوا عن الحالة السيئة ، أو السياسة الفاشلة ، أو الأوضاع التي ساءت وجعلت الكثير يفقد الأمل فأصبح في حالة اللاوعي الأمر الذي يجعل من الصعب الحكم عليه إذا كان منتحرا أم شهيدا ، فمن منا يستطيع أن يجزم أنه كان في وعي كامل أم لا ؟ بكامل الإرادة أم لا ؟
وإذا كانت الأمور تقاس بمثل ذلك فمن الجائز أن يخرج علينا البعض ويقول لنا أن بعضا من أبطال حرب أكتوبر قد ماتوا كفارا وليسوا شهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فالذي ضحي بنفسه ليوقف رتلا من آليات العدو مات كافر لأنه قتل نفسه ، والذي فجر نفسه ليقتل مجموعة من الأعداء مات كافرا لأنه قتل نفسه ، والذي اقتحم حقلا للألغام ليفتح ثغرة لزملائه مات كافرا لأنه قتل نفسه ، قصص البطولات كلها بهذا القياس المخزي يكون أبطالها قد ماتوا كفارا . لنصبر يا سادة ولا نفتي إلا بما تطمئن إليه قلوبنا وليس عيبا أن نقول مثلا : ( أن من قتل نفسه كان كافرا ، أما في حالة بو عزيزي ، أو ما شابهه فالعلم عند الله وحده هو الذي يعلم إن كان منتحرا ، أم شهيدا لأننا لانعلم حالته النفسية ، والمعنوية حالة إقدامه على فعلته هذه ) لأن من فقد قواه العقلية لا يؤاخذ بفعلته وهذه قاعدة شرعية ، وقانونية فالله سبحانه وتعالى يقول في قرآنه العظيم : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) والحديث الشريف يقول : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر ) . وفي رواية أخرى : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يبلغ الحلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) . وخذ بالك من كلمتي : ( المبتلى ) ، و (المجنون ) فمن منا يستطيع أن يجزم أن ( بوعزيزي ) ومن مثله لم يكن مبتلى أو مجنونا مما ألم به وفقدانه للأمل .
من الأفضل أن تنهجوا نهج الشيخ ( يوسف القرضاوي ) وتدعوا له بالمغفرة إذا كان منتحرا لأنه حتى ولو كان كما تدعون فقد فجر ثورة ، وكان سببا في تحرر شعب ، والقضاء على طاغية . ولماذا لم تعلوا نغمة التكفير هذه إلا بعد أن فعل مثله رجال من مصر ، ومن الجزائر ، ومن بلدان أخرى ، أخوف على الشيطان أقصد السلطان ، أو خوفا منه ، أم خوفا على أنفسكم من غضبة الشعب الذي تعلمون أنه غير راض عنكم بسبب فتاواكم المؤيدة للحاكم ، ولأنكم تحرمون الخروج عليه طمعا في كرسي عند المعز ، وطمعا في ذهبه . بدلا من ذلك قولوا له : اتق الله في شعبك ووطنك ، فأنت مسئول عنهم أمام الله ، وأمام التاريخ ، أعطهم الحرية بدلا من أن ينتزعوها ، وساعتها لن يعرف العاقبة إلا الله تعالى ، كفى فسادا ورشوة ومحسوبية ، كفى استبدادا وطغيانا .
قد تكون هناك حالات ابتزاز ولكن لايجب التعميم أو التكفير فليس كل من أشعل النار في جسده مبتزا أو منتحرا ، والحرية والديمقراطية كفيلتان بالتمييز بين الابتزاز والانتحار ، وكذلك بين القتلى والشهداء .
وأقول لحكامنا لا تطمئنوا ، ولا يخدعنكم هدوء الشعوب خاصة بعد أن قام حوالى ستة أفراد حتى الآن بإشعال النار في أجسادهم ولم يتحرك الشعب ، ولم يقم بثورة ، أو حتى انتفاضة ، وتذكروا قول الشاعر :
حذار فتحت الرماد اللهيب ... ومن يبذر الشوك يجني الجراح .
فقد لا تتكرر السيناريوهات ولكن تتكرر النتائج ، أي أن رياح التغيير قادمة لا محالة ، ولا ملجأ ولا مهرب لكم إلا بالتخلى عن الاستبداد والدكتاتورية ، وإرساء قواعد الحرية والديمقراطية ، وتذكروا أيضا الحكمة القرآنية القائلة : ( ويخلق ما لا تعلمون ) .
"1" رجال الفتة : رجال يقال عنهم رجال دين وهم ليسوا كذلك .
"2" الأناجرية : أناجر جمع أنجر وهو وعاء يوضع به الطعام والذين يأكلون
من الطعام الذي به يقال عن بعضهم أناجرية .
موقع الحوار المتمدن في شبكة التويتر
http://twitter.com/ahewar
موقع الحوار المتمدن في شبكة الفيسبوك
https://www.facebook.com/ahewarorg
هل مات بو عزيزي .... كافرا ؟ !
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
بعد أحداث تونس الخضراء ، وانتفاضة شعبها العظيم نتيجة فساد النظام الحاكم ، و الأمورالتي ساءت لدرجة أن أشعل ( بو عزيزي ) النار في جسده ، مما أشعل ثورة الغضب بطول البلاد وعرضها ، حتى أن الطاغية المستبد الفاسد ( ابن علي ) راح يستجدي شعبه الهدوء بكلمات الذل والانكسار ، واعدا إياه بالإصلاح الشامل ، والحرية الكاملة ، ومحاسبة الفسدة والمفسدين ، ولكن هيهات .. هيهات فلم يعد له مكانا على أرض تونس ، وإلا المحاكمة إذا كان حسن الحظ ، فلربما سحلوه ، أو افترشوه ، لأنه لو وقع في قبضتهم فلن يكتفوا باغتياله ، والعاقبة ستكون سيئة للغاية ، مما اضطره للفرار هربا وخوفا من النهاية المأساوية .
الأمر الذي جعل حكامنا يصابون بالهلع والهلوسة خوفا من العدوى ، والمد الثوري ، وبدلا من أن يأخذوا الدرس ، ويعيدوا النظر في بطاناتهم التي تزين لهم سوء أعمالهم ، وبدلا من أن يعيدوا النظر في سياساتهم الخاطئة التي جلبت لنا الذل ، والهوان ، والاستجداء السياسي ، والاقتصادي ! وكل الأمر ل ( رجال الفتة ) "1 " الذين طالعونا بفتاوى الأناجرية "2 " : ( بو عزيزي مات كافرا ) ، ( بوعزيزي منتحرا .. لا شهيدا ) لأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) ولم يتحدثوا عن الحالة السيئة ، أو السياسة الفاشلة ، أو الأوضاع التي ساءت وجعلت الكثير يفقد الأمل فأصبح في حالة اللاوعي الأمر الذي يجعل من الصعب الحكم عليه إذا كان منتحرا أم شهيدا ، فمن منا يستطيع أن يجزم أنه كان في وعي كامل أم لا ؟ بكامل الإرادة أم لا ؟
وإذا كانت الأمور تقاس بمثل ذلك فمن الجائز أن يخرج علينا البعض ويقول لنا أن بعضا من أبطال حرب أكتوبر قد ماتوا كفارا وليسوا شهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فالذي ضحي بنفسه ليوقف رتلا من آليات العدو مات كافر لأنه قتل نفسه ، والذي فجر نفسه ليقتل مجموعة من الأعداء مات كافرا لأنه قتل نفسه ، والذي اقتحم حقلا للألغام ليفتح ثغرة لزملائه مات كافرا لأنه قتل نفسه ، قصص البطولات كلها بهذا القياس المخزي يكون أبطالها قد ماتوا كفارا . لنصبر يا سادة ولا نفتي إلا بما تطمئن إليه قلوبنا وليس عيبا أن نقول مثلا : ( أن من قتل نفسه كان كافرا ، أما في حالة بو عزيزي ، أو ما شابهه فالعلم عند الله وحده هو الذي يعلم إن كان منتحرا ، أم شهيدا لأننا لانعلم حالته النفسية ، والمعنوية حالة إقدامه على فعلته هذه ) لأن من فقد قواه العقلية لا يؤاخذ بفعلته وهذه قاعدة شرعية ، وقانونية فالله سبحانه وتعالى يقول في قرآنه العظيم : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) والحديث الشريف يقول : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر ) . وفي رواية أخرى : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يبلغ الحلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) . وخذ بالك من كلمتي : ( المبتلى ) ، و (المجنون ) فمن منا يستطيع أن يجزم أن ( بوعزيزي ) ومن مثله لم يكن مبتلى أو مجنونا مما ألم به وفقدانه للأمل .
من الأفضل أن تنهجوا نهج الشيخ ( يوسف القرضاوي ) وتدعوا له بالمغفرة إذا كان منتحرا لأنه حتى ولو كان كما تدعون فقد فجر ثورة ، وكان سببا في تحرر شعب ، والقضاء على طاغية . ولماذا لم تعلوا نغمة التكفير هذه إلا بعد أن فعل مثله رجال من مصر ، ومن الجزائر ، ومن بلدان أخرى ، أخوف على الشيطان أقصد السلطان ، أو خوفا منه ، أم خوفا على أنفسكم من غضبة الشعب الذي تعلمون أنه غير راض عنكم بسبب فتاواكم المؤيدة للحاكم ، ولأنكم تحرمون الخروج عليه طمعا في كرسي عند المعز ، وطمعا في ذهبه . بدلا من ذلك قولوا له : اتق الله في شعبك ووطنك ، فأنت مسئول عنهم أمام الله ، وأمام التاريخ ، أعطهم الحرية بدلا من أن ينتزعوها ، وساعتها لن يعرف العاقبة إلا الله تعالى ، كفى فسادا ورشوة ومحسوبية ، كفى استبدادا وطغيانا .
قد تكون هناك حالات ابتزاز ولكن لايجب التعميم أو التكفير فليس كل من أشعل النار في جسده مبتزا أو منتحرا ، والحرية والديمقراطية كفيلتان بالتمييز بين الابتزاز والانتحار ، وكذلك بين القتلى والشهداء .
وأقول لحكامنا لا تطمئنوا ، ولا يخدعنكم هدوء الشعوب خاصة بعد أن قام حوالى ستة أفراد حتى الآن بإشعال النار في أجسادهم ولم يتحرك الشعب ، ولم يقم بثورة ، أو حتى انتفاضة ، وتذكروا قول الشاعر :
حذار فتحت الرماد اللهيب ... ومن يبذر الشوك يجني الجراح .
فقد لا تتكرر السيناريوهات ولكن تتكرر النتائج ، أي أن رياح التغيير قادمة لا محالة ، ولا ملجأ ولا مهرب لكم إلا بالتخلى عن الاستبداد والدكتاتورية ، وإرساء قواعد الحرية والديمقراطية ، وتذكروا أيضا الحكمة القرآنية القائلة : ( ويخلق ما لا تعلمون ) .
"1" رجال الفتة : رجال يقال عنهم رجال دين وهم ليسوا كذلك .
"2" الأناجرية : أناجر جمع أنجر وهو وعاء يوضع به الطعام والذين يأكلون
من الطعام الذي به يقال عن بعضهم أناجرية .