من تونس الخضراء .... انتهى الدرس !!.
حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن - العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
انتهى الدرس ...... من تونس الخضراء !!! .
لا أستطيع ان أخفي مشاعري وأنا أكتب هذه الكلمات ، تحية إجلال وإكبار ، وتعظيم وفخار لأهل تونس الخضراء ، وأبارك ثورتهم الشعبية ضد المخلوع الهارب الجبان ( زين بن علي ) ، فأنا أشعر بفرحة عارمة غامرة ، لا أستطيع أن أخفيها وإن جعلتني في حالة لا أستطيع وصفها ، فمعذرة إن كانت الكلمات غير معبرة عن التعبير الحقيقي لمشاعري ، ورؤياي وتوصيفي لما حدث ، وأبحث في داخلي عن سبب لذلك فلا أجد إجابة إلا انني أعيش ويعيش المصريون مثلي حياة : الكبت ، والطغيان ، والاستبداد ، والفساد ، والرشوة ، والمحسوبية ، وحياة أشبه بحياة التونسيين تحت حكم زين العابدين بن علي ، وياليته ما كان زينا للعابدين ، وما كان ابنا لعلي . وهذه ليست شماتة ولكنها بمسابة المواساة لنا في تحقيق حلم الطهارة من كابوس : الكبت ، والظلم ، والاستبداد ، والقهر ، والطغيان الذي يمارسه النظام المصري ، وكل النظم العربية .
لم يشفع لابن علي تاريخه الوطني : بداية من فصله من الدراسة بسبب نشاطه ضد الفرنسيين ، ولم يشفع له دخول السجن ومحاربة الفرنسيين ، ولم يشفع له كل ما فعله محاولا إصلاح الاقتصاد التونسي ، ولم تشفع له كل الجهود المبذولة لتمدن ، وتحضر تونس ؛ كل ذلك تلاشى أمام الفساد ، والرشوة ، واستغلال نفوذ الأسرة ، والأصهار ، والقهر ، فقد حكم تونس بالخوف ، وعصابات السلب والنهب ؛ وإن كانت الحقيقة تقول أن كل النظم العربية بما فيها النظام المصري لا تقل في سوءتها عن نظام ( ابن علي ) ، ومن يختلف معي يكذبني ، ويذكرني بانتخابات واحدة حرة ونزيهة ، أشيروا لي إلى شعب عربي واحد يحيا في حرية وديمقراطية ، أخبروني عن نظام عربي واحد بلا فسدة ومفسدين ، عن بلد واحد يحيا أهله في أمن وأمان من البصاصين والعسس ، عن نظام قائم على الحق والواحب ، عن نظام لم يتلاعب بالقانون والدستور وفق مصالحه ونزواته ، وتثبيت دعائم ملكه ، عن رئيس واحد ( سابق ) في منطقتنا العربية .
من العجيب أن كل النظم العربية تقول في كل بياناتها : ( نحترم خيارات الشعب التونسي ) والأولى بهم أن يحترموا خيارات شعوبهم ، ويرحلوا عنا ، ولن نقول : يرحلوا عن بلادنا ، ولكن ليرحلوا عن سدة الحكم ويتركونا وشأننا فقد سئمناهم ، مللناهم ، وكفانا بؤس ، وشقاء ، ومذلة ، ظلم ، وطغيان ، وفساد ، وقهر كلها من صناعتهم ، في ظل أكاذيب فاجرة عن الرفاهية التي قد تحققت ، والديمقراطية التي ننعم بها ، والحرية التي يفوح أريجها في أوطاننا ؛ ألم تشعرون بالخجل وأنتم تقولون ذلك وتزيدون بأن ( ابن علي ) قد أمضى في الحكم 23 سنة ، ولماذا لم تقولوا لنا كم سنة أمضاها ( علي عبد الله صالح ) في الحكم ؟ كم سنة أمضاها ( معمر القذافي ) ؟ وكم سنة أمضاها ( مبارك ) ؟ وياخوفي من شبح ( الابن ) !! وغيره الكثير من حكامنا الأباطرة . أتحدى ان يجيب أي نظام ! وأتحدى أن تجيب أجهزة الإعلام الفاجر العاهر لأي نظام عربي !! فكل أجهزة الإعلام الحكومي تسبح بحمد الحاكم وكأنها تريد أن تقول : انه ليس كمثله شئ في الأرض ولا في السماء وسبحان الله عما يصفون ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولتعلموا أن إرادة الشعب من إرادة الله تعالى الذي يعز من يشاء ن ويذل من يشاء ؛ فمن منا كان ينتظر أو يتوقع أحداث تونس التي انتهت بفرار وهروب الجبان الغادر الفاجر ( ابن علي ) ، واذكروا جيدا يوم ( 15 يناير 2011 ) فهو رمز لهبة الشعوب التي تريد أن تأخذ حريتها ، وتسترد حقوقها ، وتذكروا قول ابن تونس أبي القاسم الشابي : ( حذار فتحت الرماد اللهيب ... ومن يبذر الشوك يجني الجراح ) . من قصيدة له بعنوان ( إذا الشعب يوما أراد الحياة ) قصيدة قرأناها وحفظناها في ستينيات القرن الماضي ، وحكامنا بالتأكيد قد حفظوها ولكنهم للأسف الشديد اعتقدوا انها قيلت في المستعمر فقط ، ونسوا أنها قيلت نعم في المستعمر لأنه : ظالم ، قاهر ، طاغ ، مستبد . وأن أي طاغ ، قاهر ، مستبد سوف يكون مصيره مصير المستعمر أو مصير ( ابن علي ) . فأي مصير تريدون ؟ .
الخوف أن تعود الأمور إلى الوراء مثل ما حدث في السودان بعد سوار الذهب فبعد ان ترك الحكم قام عمر البشير بانقلاب كانت نتيجته أسوأ على السودان الذي انقسم في عهده ، والقابل للتجزئة من حكم ( النميري ) ليس لأن ( النميري ) كان الأفضل ولكن لأن الطغاة دائما يخلقون مناخا صالحا لنمو الطفيليات ، والعالة ، وطغاة مثلهم ، ولأن الثورة أي ثورة يقوم بها الشجعان ، ويرثها الجبناء الطغاة المستبدون . فنتمنى أن تهدأ الأمور في تونس ، وأن تحافظ الجماهير على نقائها الثوري ، وتحافظ على المنشآت ، وتحاصر عصابات السلب والنهب التي تسيئ إلى الثورة ، وأن لا تقبل بوجود أي رمز من رموز العهد السابق في الحكم ، فهم مثل القهر والطغيان ، وهم حواري السلطان ، وأقلهم ظلما من سكت على جرائم ( ابن علي ) ما لم يشارك بشكل ، أو بآخر . وحتى لا تعود الأمور إلى مثل ما كانت عليه فيخرج علينا من يتباكى على أيام ( ابن على ) ، متجاهلا أن ( ابن علي ) هو المسئول عما يتباكى عليه .
ولابد من تحاور كل القوى والاتفاق على انتخابات حرة ونزيهة لاتسمح بوجود أي من رموز العهد السابق أو حوارييه ، أو الطبالين الزمارين حاملي المباخر أكلة الطعام على كل الموائد .
وما رأي رموز النظام أي نظام عربي أو شبيه به ؟ فيما حدث ! وهل هم مطمئنون على نهاياتهم ؟ وهل هم متأكدون انها لن تكون مثل نهاية ( ابن علي ) ؟ أم أنهم يعتقدون أنهم أقل دكتاتورية ، وأكثر ديمقراطية ؟ معقول أن يكون في مخيلتهم انهم ليسوا مثله !! لا والله ياسادة .. أنتم مثله بل أسوأ منه ! ولا يخدعنكم وداعة الشعوب ، لا تعتقدوا أنكم بالبطش والإرهاب قادرون على حماية أنفسكم من غضبة الشعوب ، ولاتعتقدوا أن بقبضتكم الإعلامية ، وأن بتعيينكم رؤساء مجالس إدارات الصحف والمجلات وقنوات البث الإذاعي والتليفزيوني والفضائي وتعيين رؤساء التحرير من أجل الصخب الإعلامي العاهر أنتم قادرون على أن تواروا سوءاتكم ، فثيابكم أصبحت رثة مهلهلة كاشفة لعوراتكم ، ولا بتمكين قبضتكم من المؤسسات الدينية قد يطول عهد التخلف والرضا بالواقع أملا في الجنة المؤجلة المفروش طريقها بالفقر ، والجهل ، والمرض وعدم الخروج على الحاكم ، أو أن الترغيب و الترهيب قادران على تثبيت أعمدة أي نظام ، واعلموا أن ( سيف المعز وذهبه ) قد أصبحا عملة رديئة ، لاغية ، لا قيمة لها في عصر الفضائيات ، والإنتر نت . ولا يمكن فرض ستار يحجب الحقيقة عن أي شعب ، والثورة تنقل بالعدوى .
ما تعتقدون أنه الأمان فهو الخطر كل الخطر ، ولتأخذوا الدرس من تونس ، ومن سيرة ( ابن علي ) وتعالوا إلى أقرب المقربين منه رغبة ورهبة .. طياره الخاص والذي كان إلى ماقبل أحداث تونس بساعات رهن إشارة من ( ابن علي ) رفض أن يقلع بطائرته إلى خارج تونس قائلا : ( إن ضميري يعذبني ... لا أستطيع أن أخرج سفاحا سفك الدماء إلى خارج تونس ) !!!
الشرطة التي كانت تحمي النظام ، ويحتمي بها ، انقلبت عليه ، وعاثت في الأرض فسادا : قهرا ، وتعذيبا ، واعتقالا ، ورميا بالرصاص مما زاد الثورة اشتعالا حتى أصبح ( ابن علي ) لا مكان له على أرض تونس !!!
الصحف التي كم تغنت ، وسبحت ، وهللت ، وكبرت . تبدلت ، وتغيرت وكلها تمدح الواقع الجديد ، أملا في اكتساب ود القادم . وتلعن الماضي بأحداثه ، ورموزه وعلى رأسها ( ابن علي ) ، وزوجته ، وأسرته .
التلفزيون التونسي راح يركز على سوءات الماضي ، وتشجيع الثوار بنقل صور تلاحمهم ، وغضبتهم العارمة ، ووقفتهم النبيلة .
حتى الجيش الذي كان يحتمي به ( ابن على ) انقلب عليه ولم ينصاع لأوامره والتحم مع الشعب في مشهد رائع نتمنى أن يدوم ! ( الجيش والشعب بالأحضان ) .
حتى أن بعض رجال الدين عندنا أجازوا الخروج على الحاكم قائلين ما نصه : (إباحة الخروج على الحاكم إذ لم ينفذ برنامجه الانتخابي ) .
أيها الحكام المستبدين الطغاة : كل ما بأيديكم من قوة تبطشون بها سوف ينقلب عليكم عندما تكون الكلمة لنا وقد أصبحت قريبة ، فلا يعزكم أيها الحكام إلا العدل والمساواة وتذكروا الحكمة المأثورة ( دولة الظلم ساعة ، ودولة العدل إلى قيام الساعة ) ولن يثبت دعائم حكمكم إلا عدم استغلال النفوذ ، وعدم استعمال بطانة السوء التي تزين لكم سوء عملكم ( ويا بخت من أبكاني وأبكى الناس علي ، ولاأضحكني ، وأضحك الناس علي ) فبالحرية والديمقراطية ، لا بالإرهاب والديكتاتورية يكون الأمن والأمان لكم ولنا .
ولنأخذ الدرس من تونس الخضرا ء ...... وانتهى الدررس !!!