لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
مقالات
عبد الرحمن بن محمد جامع
الاثنين, 24 مايو 2010
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين إصطفى وعلى سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن على اثارهم اقتفى.. اما بعد
في مساء ليلة الجمعة 7-5-2010 حضرت ندوة أقامها خيرة من الشباب المجتهدين العاملين للرقي بنفسهم ونفع البلاد والعباد من شباب الجالية الصومالية في الكويت ،الذين حقيقة أشكر لهم جهدهم ومثابرتهم على نشر كل ما تعلموه من علم نافع مفيد .
وقد تكلموا بإيجاز عن أمور من الممكن أن أقول (برأيي) إنها أمور ومسائل عامة لأننا غالبا ما نسمعها في المحاضرات واللقاءات التي تقيمها الجالية كالحديث عن الحروب وأثرها على الشباب الصومالي، وكيفية علاج بعض المشاكل التي من الممكن إذا أُعتني بها جيدا أن ترتقي بشعبنا إلى المستوى المطلوب ليكون من خيرة شعوب العالم كاستثمار الوقت بأفضل وانسب الطرق ووفق خطط ونظريات مدروسة والعمل على البذل والعطاء.
ورأيت أن كل هذا الكلام حسن وجميل، ولكني تساءلت: هل هذه النظريات يسهل تطبيقها أم إنها تفتقر إلى مناهج وأسس سليمة للعمل بهذه النظريات؟؟
ولن أجد أفضل من سيرة سيد البشر - محمد صلى الله عليه وسلم - لضربها مثلا يحتذي به، فقد قال الله عز وجل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). (الأحزاب: 21).
- سلامة الاعتقاد
ففي العقائد دأب النبي صلى الله عليه وسلم على حماية جناب التوحيد طوال حياته. تجده عندما كان صغيرا يبغض اللات والعزى كما ثبت في السير لما سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فقابلهم الراهب بحيرى . (والقصة معروفة) ولم يسجد لصنم قط، وكان يقول في وصيته الأخيرة وهو يودع الدنيا: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . موطا مالك.
ولا يخفى اثر التوحيد على المؤمن في الحياة الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على التعلق بالله عز وجل وأنه لا ينفع ولا يضر إلا هو سبحانه وأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض وهو على كل شيء قدير،واثبات التوحيد لله عز وجل وما يتضمنه من توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات كما يليق بربنا جل وعلى؛ لان التوحيد والعقيدة السليمة في الله عز وجل هما سبيل الفوز بالجنة بإذن الله عز وجل.
- صحة العبادة
أما في العبادات فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بان الله عز وجل لا يعبد إلا بما شرع من عبادات القولية كقراءة القران والذكر يقول الله تعالى : {والذاكرين الله كثيرآ والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيمـا)، والدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) و العبادات الفعلية كالصلاة والصيام والزكاة والحج فدليله الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) متفق عليه.
و أما العبادات القلبية كالخوف قال تعالى (( إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) (آل عمران175)، والاستعانة (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة والاستغاثة (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الانفال9).
وان هذه العبادات لا تصرف إلا له عز وجل ومن يفعل غير ذلك فهو ضال لا محالة، ومن أتى بشيء لم يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فهي مردودة عليه وغير مقبولة لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري ومسلم.
أما في الآداب والأخلاق فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً) [رواه أحمد والترمذي وابن حبان]، و قال أيضا: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) البخاري: كتاب الإيمان.
وقال أيضا: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) حديث حسن رواه الترمذي وغيره.
- المسلم الحقيقي
والكلام عن الآداب الإسلامية يطول. أقول وبالله التوفيق المسلم هو الذي لا يؤذي المسلمون لا باللسان ولا باليد وهو الذي لا يقول ولا يفعل إلا الشيء الجميل ولا يتدخل فيما لا يعنيه من شؤون غيره.
وهو الذي يصل رحمه ويتودد إلى الناس بالوجه الطليق والأخلاق الجميلة السمحة مما يقوي تأثيره على الأوساط المحيطة به؛ لأن ديننا هو دين الفطرة والسماحة ودين الآداب والأخلاق الحسنة، وقال عليه الصلاة والسلام ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) رواه احمد بسند صحيح.
ويأمرنا لإسلام كذلك ببر الوالدين وطاعتهما لما لهما من مكانة في ديننا وان الله سبحانه وتعالى و نبيه صلى الله عليه وسلم أمر بطاعتهما وبرهما قال تعالى: ((و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)) (الإسراء 24) أما في السنة فثبت في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: ((يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم
من؟، قال: أمك، قال ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أبوك)).
أما في المعاملات: فتجد في الحدود والبيوع والجهاد ومعاملة الجيران والذميين يحث إن الشارع الحكيم وضع نظما وخطوطا سليمة للسير عليها من شأنها أن تنظم حياتنا كلها كمجتمع مسلم ومع غيرنا من المجتمعات المحيطة بنا، حتى في السياسة الشرعية فقد قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) جاء في تفسيرها: "يا أيها الذين صدقوا في إيمانهم, استجيبوا لأوامر الله تعالى ولا تعصوه, واستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق, وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله, فإن اختلفتم في شيء بينكم, فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب. ذلك الرد إلى الكتاب والسنة خير لكم. التفسير الميسر".
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ وجاء في الحديث الآخر "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد." قال الشيخ الألباني: صحيح.
قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: (قد تركتكم على البيضاء) وفي رواية على المحجة البيضاء وهي جادة الطريق مفعلة من الحج القصد والميم زائدة (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا) فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد، (فعليكم) الزموا التمسك (بما عرفتم من سنتي) أي طريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة، وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض (وسنة) أي طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالإتباع من بقية الصحب (عضوا عليها بالنواجذ) أي عضوا عليها بجميع الفم كناية عن شدة التمسك ولزوم الإتباع لهم، والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها (وعليكم بالطاعة) أي الزموها (وإن كان) الأمير عليكم من جهة الإمام (عبدا حبشيا) فاسمعوا له وأطيعوا (فإنما المؤمن كالجمل الأنف) أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على قائده والقياس مأنوف لأنه مفعول به فجاء هذا شاذا (حيثما قيد انقاد).) انتهى.
هنا تجد الدين الحنيف قد وضع الأسس والمناهج السليمة التي من شانها تنظيم حياة الإنسان والسير بها إلى طريق النجاح ومن عمل بمقتضاها تعبدا كان من المفلحين الفائزين فهو الطريق الذي سار عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم ومن تبعهم من العلماء المصلحين وبذلك قال عنهم رب البرية جل وعلى ( "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وقال العلامة السعدي في تفسير هذه الاية :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قُلْ " للناس " هَذِهِ سَبِيلِي " أي: طريقي, التي أدعوا إليها, وهي السبيل الموصلة إلى الله, وإلى دار كرامته, المتضمنة للعلم بالحق, والعمل به, وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له. " أَدْعُو إِلَى اللَّهِ " أي: أحث الخلق والعباد, على الوصول إلى ربهم, وأرغبهم في ذلك, وأرهبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا, فأنا " عَلَى بَصِيرَةٍ " من ديني, أي: على علم ويقين, من غير شك ولا امتراء, ولا مرية. " أَنَا " كذلك" وَمَنِ اتَّبَعَنِي " يدعو إلى الله, كما أدعو, على بصيرة من أمره. " وَسُبْحَانَ اللَّهِ " عما ينسب إليه, مما لا يليق بجلاله, أو ينافي كماله. "وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " في جميع أموري, بل أعبد الله, مخلصا له الدين. انتهى
ونحن أمة الإسلام خير أمة على الأرض طالما نعمل بتعاليم هذا الدين الحنيف فهو دين الفطرة والعلم والعمل
ألا ترى عزيزي القارئ أننا بحاجة إلى معرفة أسس وضوابط ديننا أكثر من حاجتنا إلى شيء آخر؛ لأن به يستقيم حالنا وبه عزنا وبه نملك الدنيا قال الفاروق رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من غيره أذلنا الله)
وقد قال الإمام مالك رحمه الله (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)... هذا وبالله التوفيق والحمدلله رب العالمين .
مقالات
عبد الرحمن بن محمد جامع
الاثنين, 24 مايو 2010
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين إصطفى وعلى سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن على اثارهم اقتفى.. اما بعد
في مساء ليلة الجمعة 7-5-2010 حضرت ندوة أقامها خيرة من الشباب المجتهدين العاملين للرقي بنفسهم ونفع البلاد والعباد من شباب الجالية الصومالية في الكويت ،الذين حقيقة أشكر لهم جهدهم ومثابرتهم على نشر كل ما تعلموه من علم نافع مفيد .
وقد تكلموا بإيجاز عن أمور من الممكن أن أقول (برأيي) إنها أمور ومسائل عامة لأننا غالبا ما نسمعها في المحاضرات واللقاءات التي تقيمها الجالية كالحديث عن الحروب وأثرها على الشباب الصومالي، وكيفية علاج بعض المشاكل التي من الممكن إذا أُعتني بها جيدا أن ترتقي بشعبنا إلى المستوى المطلوب ليكون من خيرة شعوب العالم كاستثمار الوقت بأفضل وانسب الطرق ووفق خطط ونظريات مدروسة والعمل على البذل والعطاء.
ورأيت أن كل هذا الكلام حسن وجميل، ولكني تساءلت: هل هذه النظريات يسهل تطبيقها أم إنها تفتقر إلى مناهج وأسس سليمة للعمل بهذه النظريات؟؟
ولن أجد أفضل من سيرة سيد البشر - محمد صلى الله عليه وسلم - لضربها مثلا يحتذي به، فقد قال الله عز وجل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). (الأحزاب: 21).
- سلامة الاعتقاد
ففي العقائد دأب النبي صلى الله عليه وسلم على حماية جناب التوحيد طوال حياته. تجده عندما كان صغيرا يبغض اللات والعزى كما ثبت في السير لما سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فقابلهم الراهب بحيرى . (والقصة معروفة) ولم يسجد لصنم قط، وكان يقول في وصيته الأخيرة وهو يودع الدنيا: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . موطا مالك.
ولا يخفى اثر التوحيد على المؤمن في الحياة الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على التعلق بالله عز وجل وأنه لا ينفع ولا يضر إلا هو سبحانه وأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض وهو على كل شيء قدير،واثبات التوحيد لله عز وجل وما يتضمنه من توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات كما يليق بربنا جل وعلى؛ لان التوحيد والعقيدة السليمة في الله عز وجل هما سبيل الفوز بالجنة بإذن الله عز وجل.
- صحة العبادة
أما في العبادات فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بان الله عز وجل لا يعبد إلا بما شرع من عبادات القولية كقراءة القران والذكر يقول الله تعالى : {والذاكرين الله كثيرآ والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيمـا)، والدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) و العبادات الفعلية كالصلاة والصيام والزكاة والحج فدليله الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) متفق عليه.
و أما العبادات القلبية كالخوف قال تعالى (( إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) (آل عمران175)، والاستعانة (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة والاستغاثة (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الانفال9).
وان هذه العبادات لا تصرف إلا له عز وجل ومن يفعل غير ذلك فهو ضال لا محالة، ومن أتى بشيء لم يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فهي مردودة عليه وغير مقبولة لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري ومسلم.
أما في الآداب والأخلاق فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً) [رواه أحمد والترمذي وابن حبان]، و قال أيضا: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) البخاري: كتاب الإيمان.
وقال أيضا: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) حديث حسن رواه الترمذي وغيره.
- المسلم الحقيقي
والكلام عن الآداب الإسلامية يطول. أقول وبالله التوفيق المسلم هو الذي لا يؤذي المسلمون لا باللسان ولا باليد وهو الذي لا يقول ولا يفعل إلا الشيء الجميل ولا يتدخل فيما لا يعنيه من شؤون غيره.
وهو الذي يصل رحمه ويتودد إلى الناس بالوجه الطليق والأخلاق الجميلة السمحة مما يقوي تأثيره على الأوساط المحيطة به؛ لأن ديننا هو دين الفطرة والسماحة ودين الآداب والأخلاق الحسنة، وقال عليه الصلاة والسلام ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) رواه احمد بسند صحيح.
ويأمرنا لإسلام كذلك ببر الوالدين وطاعتهما لما لهما من مكانة في ديننا وان الله سبحانه وتعالى و نبيه صلى الله عليه وسلم أمر بطاعتهما وبرهما قال تعالى: ((و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)) (الإسراء 24) أما في السنة فثبت في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: ((يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم
من؟، قال: أمك، قال ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أبوك)).
أما في المعاملات: فتجد في الحدود والبيوع والجهاد ومعاملة الجيران والذميين يحث إن الشارع الحكيم وضع نظما وخطوطا سليمة للسير عليها من شأنها أن تنظم حياتنا كلها كمجتمع مسلم ومع غيرنا من المجتمعات المحيطة بنا، حتى في السياسة الشرعية فقد قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) جاء في تفسيرها: "يا أيها الذين صدقوا في إيمانهم, استجيبوا لأوامر الله تعالى ولا تعصوه, واستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق, وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله, فإن اختلفتم في شيء بينكم, فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب. ذلك الرد إلى الكتاب والسنة خير لكم. التفسير الميسر".
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ وجاء في الحديث الآخر "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد." قال الشيخ الألباني: صحيح.
قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: (قد تركتكم على البيضاء) وفي رواية على المحجة البيضاء وهي جادة الطريق مفعلة من الحج القصد والميم زائدة (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا) فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد، (فعليكم) الزموا التمسك (بما عرفتم من سنتي) أي طريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة، وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض (وسنة) أي طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالإتباع من بقية الصحب (عضوا عليها بالنواجذ) أي عضوا عليها بجميع الفم كناية عن شدة التمسك ولزوم الإتباع لهم، والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها (وعليكم بالطاعة) أي الزموها (وإن كان) الأمير عليكم من جهة الإمام (عبدا حبشيا) فاسمعوا له وأطيعوا (فإنما المؤمن كالجمل الأنف) أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على قائده والقياس مأنوف لأنه مفعول به فجاء هذا شاذا (حيثما قيد انقاد).) انتهى.
هنا تجد الدين الحنيف قد وضع الأسس والمناهج السليمة التي من شانها تنظيم حياة الإنسان والسير بها إلى طريق النجاح ومن عمل بمقتضاها تعبدا كان من المفلحين الفائزين فهو الطريق الذي سار عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم ومن تبعهم من العلماء المصلحين وبذلك قال عنهم رب البرية جل وعلى ( "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وقال العلامة السعدي في تفسير هذه الاية :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قُلْ " للناس " هَذِهِ سَبِيلِي " أي: طريقي, التي أدعوا إليها, وهي السبيل الموصلة إلى الله, وإلى دار كرامته, المتضمنة للعلم بالحق, والعمل به, وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له. " أَدْعُو إِلَى اللَّهِ " أي: أحث الخلق والعباد, على الوصول إلى ربهم, وأرغبهم في ذلك, وأرهبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا, فأنا " عَلَى بَصِيرَةٍ " من ديني, أي: على علم ويقين, من غير شك ولا امتراء, ولا مرية. " أَنَا " كذلك" وَمَنِ اتَّبَعَنِي " يدعو إلى الله, كما أدعو, على بصيرة من أمره. " وَسُبْحَانَ اللَّهِ " عما ينسب إليه, مما لا يليق بجلاله, أو ينافي كماله. "وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " في جميع أموري, بل أعبد الله, مخلصا له الدين. انتهى
ونحن أمة الإسلام خير أمة على الأرض طالما نعمل بتعاليم هذا الدين الحنيف فهو دين الفطرة والعلم والعمل
ألا ترى عزيزي القارئ أننا بحاجة إلى معرفة أسس وضوابط ديننا أكثر من حاجتنا إلى شيء آخر؛ لأن به يستقيم حالنا وبه عزنا وبه نملك الدنيا قال الفاروق رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من غيره أذلنا الله)
وقد قال الإمام مالك رحمه الله (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)... هذا وبالله التوفيق والحمدلله رب العالمين .